فصل: من فوائد الشعراوي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{قَالَ يا آدَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَائهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}.
فالحق سبحانه وتعالى أراد أن يرد على ملاحظة الملائكة بالنسبة لخلق آدم وخلافته في الأرض، وأن الله سبحانه وتعالى في حكمته ما يخفي عليهم. ولذلك فهم لم يدركوا هذه الحكمة. وقبل أن يخلق الله آدم ويجعله خليفة في الأرض.. كان على علم بكل ما سيحدث من آدم وذريته حتى قيام الساعة. وبعد قيام الساعة، أما الملائكة. فهم لم يكونوا على علم بذلك. لأن هذا ليس عملهم. وكما قلنا: كل ميسر لما خلق له. ولذلك أراد الحق سبحانه وتعالى أن يعطي للملائكة الصورة بأنكم قد حكمتم على آدم إما من تجربة لجنس آخر عاش في الأرض، وإما من ضرب بالغيب. والمقياسان غير صحيحين. ولذلك ميز الله سبحانه في هذه اللحظة آدم على الملائكة فعلمه أسماء المسميات كلها، ثم طلب من الملائكة أن يخبروه بهذه الأسماء. ولكنهم قالوا: إن العلم من الله وحده. وبما أن الله تعالى لم يعلمهم الأسماء فإنهم لا يعرفونها. فطلب الله من آدم أن يخبرهم بأسماء هذه المسميات فأخبرهم بها. ولكنه لم يخبرهم بها بذاته ولا من قانونه. ولا بعلم علمه وحده. ولكنه أخبرهم بتعليم الله سبحانه وتعالى له. وفي ذلك يقول الله تعالى: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76].
إذن فَعِلْمُ آدم للأسماء كان بمشيئة الله سبحانه وتعالى. وهذه المشيئة وحدها هي التي جعلت آدم في ذلك الوقت يعلم ما لا تعلمه الملائكة.. وهنا رد الحق سبحانه وتعالى على قول الملائكة بأن آدم سيفسد في الأرض. فذكرهم الله تعالى بقوله: {أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي أن الله سبحانه وتعالى وحده هو الذي يعلم الغيب. والغيب هنا هو الغيب المطلق. فهناك غيب نسبي. قد تسرق حافظة نقودي مثلا وأنا لا أعلم من الذي سرقها فهو غيب عني. ولكنه معلوم للذي سرق، وللذي سهل له طريقة السرقة بأن حرس له الطريق حتى يسرق دون أن يفاجئه أحد. وقد يكون قد صدر قرار هام بالنسبة لي كترقية أو فصل أو حكم. لم يصلني. فأنا لا أعلمه. ولكن الذي وقع القرار أو الحكم يعلمه.
هذا الغيب النسبي. لا يعتبر غيبا. ولكن الغيب المطلق هو الذي ليس له مقدمات تنبئ عما سيحدث.. هذا الغيب الذي يفاجئك. ويفاجئ كل من حولك بلا مقدمات.. هذا الغيب لا يعلمه إلا الله وحده. وقوله تعالى: {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}. تعطينا هنا وقفة. هل الملائكة قالوا لله سبحانه وتعالى: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} هل قالها الملائكة فعلا وجهرا، أم أنهم قالوها في أنفسهم ولم ينطقوا بها.. قوله تعالى: {وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} تعطينا إشارة إلى أن الملائكة ربما قالوا هذا سرا. ولم يبدوه، وعلى أية حال. سواء قالوه جهرا. أو قالوه سرا. فقد علمه الله. لأن الله جل جلاله.. بكل شيء محيط. ولا نريد لهذه النقطة أن تثير جدلا.. لماذا؟ لأنه في الحالتين.. سواء في الجهر أو في الكتمان.. فإن الموقف يتساوى عند علم الله سبحانه وتعالى.. فلا داعي للجدل لأنه لا خلاف. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
أخرج الفريابي وابن سعد جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال: إنما سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض، الحمرة. والبياض، والسواد، وكذلك ألوان الناس مختلفتة فيها الأحمر، والأبيض، والأسود، والطيب، والخبيث.
وأخرج عبد بن حميد عن أبن عباس قال: خلق الله آدم من أديم الأرض. من طينة حمراء، وبيضاء، وسوداء.
وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير قال: أتدرون لم سمي آدم؟ لأنه خلق من أديم الأرض.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وعلم آدم الأسماء كلها} قال: علمه اسم الصفحة، والقدر، وكل شيء، حتى الفسوة والفسية.
وأخرج وكيع وابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وعلم آدم الأسماء كلها} قال: علمه اسم كل شيء. حتى علمه القصعة والقصيعة، والفسوة والفسية.
وأخرج وكيع وابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله: {وعلم آدم الأسماء كلها} قال: علمه اسم كل شيء، حتى البعير، والبقرة والشاة.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وعلم آدم الأسماء كلها} قال: ما خلق الله.
وأخرج الديلمي عن أبي رافع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثلت لي أمتي في الماء والطين، وعلمت الأسماء كما علم آدم الأسماء كلها».
وأخرج وكيع في تاريخه وابن عساكر والديلمي عن عطية بن يسر مرفوعًا. في قوله: {وعلم آدم الأسماء كلها} قال: «علم الله في تلك الأسماء ألف حرفة من الحرف وقال له: قل لولديك وذريتك يا آدم إن لم تصبروا عن الدنيا فاطلبوا الدنيا بهذه الحرف، ولا تطلبوها بالدين فإن الدين لي وحدي خالصًا. ويل لمن طلب الدنيا بالدين ويل له».
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: {وعلم آدم الأسماء كلها} قال: أسماء ذريته أجمعين {ثم عرضهم} قال: أخذهم من ظهره.
وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس في قوله: {وعلم آدم الأسماء} قال: أسماء الملائكة.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {وعلم آدم الأسماء كلها} قال: علم آدم من الأسماء أسماء خلقه، ثم قال ما لم تعلم الملائكة فسمى كل شيء باسمه، وألجأ كل شيء إلى جنسه.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وعلم آدم الأسماء} قال: علم الله آدم الأسماء كلها، وهي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس. انسان، ودابة، وأرض وبحر، وسهل، وجبل، وحمار، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها {ثم عرضهم على الملائكة} يعني عرض أسماء جميع الأشياء التي علمها آدم من أصناف الخلق {فقال أنبئوني} يقول: أخبروني {بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين} إن كنتم تعلمون أني لم أجعل في الأرض خليفة {قالوا سبحانك} تنزيهًا لله من أن يكون يعلم الغيب أحد غيره تبنا إليك {لا علم لنا} تبريًا منهم من علم الغيب {إلا ما علمتنا} كما علمت آدم.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: {ثم عرضهم} قال: عرض أصحاب الأسماء على الملائكة.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد عن ابن عباس قال: إن الله لما أخذ في خلق آدم قالت الملائكة: ما الله خالق خلقًا أكرم عليه منا، ولا أعلم منا. فابتلوا بخلق آدم.
وأخرج ابن جرير عن قتادة والحسن قالا: لما أخذ الله في خلق آدم همست الملائكة فيما بينهما فقالوا: لن يخلق الله خلقًا إلا كنا أعلم منه وأكرم عليه منه. فلما خلقه أمرهم أن يسجدوا له لما قالوا.. ففضله عليهم، فعلموا أنهم ليسوا بخير منه فقالوا: إن لم نكن خيرًا منه فنحن أعلم منه لأنا كنا قبله {فعلم آدم الأسماء كلها} فعلم اسم كل شيء. جعل يسمي كل شيء باسمه، وعرضوا عليه أمة {ثم عرضهم على الملائكة فقال انبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين} ففزعوا إلى التوبة فقالوا {سبحانك لا علم لنا} الآية.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {إنك أنت العليم الحكيم} قال: العلم الذي قد كمل في علمه {والحكيم} الذي قد كمل في حكمه.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله: {إن كنتم صادقين} قال: إن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء. وفي قوله: {وأعلم ما تبدون} قال: قولهم: {أتجعل فيها من يفسد فيها} إلى قوله تعالى: {وما كنتم تكتمون} يعني ما أسر إبليس في نفسه من الكبر.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} قال: ما أسر إبليس من الكفر في السجود.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وأعلم ما تبدون} قال: ما تظهرون {وما كنتم تكتمون} يقول: اعلم السر كما أعلم العلانية.
وأخرج ابن جرير عن قتادة والحسن في قوله: {ما تبدون} يعني قولهم: {أتجعل فيها من يفسد فيها} {وما كنتم تكتمون} يعني قول بعضهم لبعض: نحن خير منه وأعلم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مهدي بن ميمون قال: سمعت الحسن. وسأله الحسن بن دينار فقال: يا أبا سعيد أرأيت قول الله للملائكة {وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} ما الذي كتمت الملائكة؟ قال: إن الله لما خلق آدم رأت الملائكة خلقًا عجبًا فكأنهم دخلهم من ذلك شيء قال: ثم أقبل بعضهم على بعض فأسروا ذلك بينهم فقال بعضهم لبعض: ما الذي يهمكم من هذا الخلق؟ إن الله لا يخلق خلقًا إلا كنا أكرم عليه منه. فذلك الذي كتمت. اهـ.

.فوائد بلاغية:

قال في صفوة التفاسير:
البلاغة:
1- التعرض بعنوان الربوبية وإذ قال ربك مع الإضافة إلى الرسول عليه السلام للتشريف والتكريم لمقامه، وتقديم الجار والمجرور للملائكة للاهتمام بما قدم، والتشويق إلى ما أخر.
2- الأمر في قوله تعالى: {أنبئوني} خرج عن حقيقته إلى التعجيز والتبكيت.
3- {فلما أنبأهم بأسمائهم} فيه مجاز بالحذف والتقدير: فأنبأهم بها فلما أنبأهم، حذف لفهم المعنى.
4- {ثم عرضهم} هو من باب التغليب لأن الميم علامة الجمع للعقلاء الذكور، ولو لم يغلب لقال: {ثم عرضها} أو عرضهن.
5- إبراز الفعل في قوله: {إني أعلم غيب السموات} ثم قال: {وأعلم ما تبدون} للاهتمام بالخبر والتنبيه على إحاطة علمه تعالى بجميع الأشياء، ويسمى هذا بالإطناب.
6- تضمنت آخر هذه الآية من علم البديع ما يسمى بالطباق وذلك في كلمتي {تبدون} و{تكتمون} كقوله تعالى عن أصحاب الكهف {وتحسبهم أيقاظا وهم رقود}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بأسْمَائِهِمْ}.
آدم: مبني على الضم؛ لأنه مفرد معرفة، وكل ما كان كذلك بُني على ما كان يرفع به، وهو في محل نصب لوقوعه موقع المَفْعول به، فإن تقديره: ادعوا آدم، وبني لوقوعه موقع المُضْمَرِ، والأصل: يا إياك كقولهم: يَا قَدْ كَفَيْتُكَ، ويا أَنْتَ؛ كقوله: الرجز:
يَا أَبْجَرُ بْنُ أَبْجَرٍ يَا أَنْتَا ** أَنْتَ الَّذِي طَلَّقْتَ عَامَ جُعْتَا

قَدْ أَحْسَنَ اللهُ وَقَدْ أَسَأْتَا

ويَا إِيَّاكَ أقيس من يا أنت؛ لأن الموضع موضع نصب، فإياك أليق به، وتحرزت بالمفرد عن المضاف نحو: يا عبد الله، ومن الشبيه به، وهو عبارة عما كان الثَّانِي فيه من تمام معنى الأوّل نحو: يا خيرًا من زيد ويا ثلاثةً وثلاثين، وبالمعرفة من النكرة المقصودة؛ نحو قوله: الطويل:
فَيا إِمَّا رَاكِبًا إِمَّا عَرَضْتَ فَبَلَغَنْ ** نَدَامَاي مِنْ نَجْرَانَ أَنْ لاَ تَلاَقيَا

فإن هذه الأنواع الثلاثة معربة نصبًا.
{أنبئهم} فعل أمر، وفاعل، ومفعول، والمشهور {أنبئهم} مهموز مضمومًا، وقرئ بكسر الهاء.
ويروى عن ابن عامر، كأنه أتبع الهاء لحركة الباء، ولم يعتد بالهمزة، لأنها ساكنةٌ، فهي حاجز غير حَصِيْنٍ.
وقرئ بحذف الهمزة، ورُويت عن ابن كثير، قال ابن جنّيّ هذا على إبدال الهمزة ياء، كما تقول: أنبيت كأعطيت، قال: وهذا ضعيف في اللّغة؛ لأنه بدلٌ لا تخفيف، والبدل عندنا لا يجوز إلا في ضرورة الشعر.
وهذا من أبي الفَتْحِ غيرِ مرضٍ، لأن البدل جاء في سَعَة الكلام، حكى الأخفش في الأوسط أنهم يقولون في أَخْطَأَت: أَخْطَيْت، وفي توضأت: توضيت.
قال: وربما حَرَّكوه إلى الواو، وهذا قليل قالوا: رَفَوْت في رَفَأْت، ولم أسمع رَفَيْت.
إذا تقرر ذلك، فللنحويين في صرف العلّة المبدل من الهمزة نظر في أنه هل يجرى مجرى العلّة الأصلي أم ينظر إلى أصله؟ ورتبوا على ذلك أحكامًا، ومن جملتها: هل يحذف جزمًا كالحرف غير المبدل أم لا نظرًا إلى أصله؟ واستدل بعضهم على حذفه جزمًا بقول زهير: الطويل:
جَرِيءٍ مَتَى يُظْلَمْ يُعَاقِبْ بِظُلْمِهِ ** سَريعاً وإلاّ يُبْدَ بالظُّلْمِ يَظْلِمِ

لأن أصله: يبدأ بالهمزة، فكذلك هذه الآية أُبدلت الهمزة ياء، ثم حذفت حملًا للأمر على المجزوم.
وقرئ: {أَنْبِيهُمْ} بإثبات الياء نظرًا إلى الهمزة وهل تضم الهاء نظرًا للأصل أم تكسر نظرًا للصورة؟
وجهان منقولان عن حمزة عند الوقف عليه.
و{بِأَسْمَائِهِمْ} متعلّق ب {أَنْبِئْهُمْ} وهو المفعول الثاني كما تَقَدَّم، وقد يتعدّى بعن نحو: أنبأته عن حاله، وأما تعديته بمن في قوله: {قَدْ نَبَّأَنَا الله مِنْ أَخْبَارِكُمْ} [التوبة: 94] فسيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
قوله: {فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمواتِ وَالأرْضِ}.
والمراد من هذا الغيب أنه كان عالمًا بأحوال آدم قبل نطقه، وهذا يدل على أنه سبحانه يعلم الأشياء قبل حدوثها، وذلك يدلّ على بطلان مذهب هشام بن الحكم في أنه لا يعلم الأشياء إلاَّ عند وقوعها، فإن قيل: قوله: {الَّذِيْنَ يُؤْمِنُونَ بالغَيْبِ} يدلّ على أنّ العبد قد يعلم الغيب؛ لأن الإيمان بالشَّيء فرع العلم به، وهذا الآية مشعرة بأن علم الغيب ليس إلا لله تعالى، وأن كل من سواه فهم خالُونَ عن علم الغيب.
والجواب: ما تقدم في قوله: {الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب} [البقرة: 3].
قوله: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ} قال جواب {فلما} والهمزة للتقرير إذا دخلت على تفي تقرير قررته، فيصير إثباتًا كقوله: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ} [الشرح: 1] أي: قد شرحنا.
ولم حرف جزم، و{أقل} مجزوم بها حذفت عينه، وهي الواو لالتقاء الساكنين، و{لكم} متعلّق به، واللام للتبليغ، والجُمْلَة من قوله: {إني أعلم} في محلّ نصب بالقول.
وقد تقدم نظائر هذا التركيب.
قوله: {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ} كقوله: {أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} من كون {أعلم} فعلًا مضارعًا، وأفعل بمعنى فاعل أو أفعل تفضيل، وكون ما في محلّ نصب أو جر، وقد تقدم.
والظاهر: أن جملة قوله: {وأعلم} معطوفة على قوله: {إنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ} فتكون في محلّ نصب بالقول.
وقال أبو البقاء: إنه مستأنف، وليس محكيًا بالقول: ثم جوَّز فيه ذلك.
و{تبدون} وزنه: تفعون؛ لأن أصله: تبدوون مِثْل: تخرجون، فأعلّ بحذف الواو بعد سكونها، والإبداء: الإظهار، والكَتْم الإخفاء؛ يقال: بَدَا يَبْدُو بَدَاء؛ قال: الطويل:
بَدَا فشي تِلْكَ القَلُوصِ بَدَاءُ

وقوله: {وَمَا كُنْتُمْ تَكْتَمونَ} عطف على {ما} الأول بحسب ما تكون عليه من الإعراب. اهـ. باختصار.